Translate

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

غانا: لجنة المصالحة الوطنية:

غانا هي بلد في غرب أفريقيا شهدت عدد من فترات الحكم غير الدستوري منذ حصولها على الاستقلال عن بريطانيا عام 1957. وعلى اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ التحول الديمقراطى الظاهرى الذى شهدته ﻏﺎﻧﺎ ﻤﺎ بين ﻋﺎﻣﻲ 1992 و2002، ﻓﻠﻢ تظهر الفرصة ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ إﻻ بعد أن تولت القيادة حكومة ﻣﻨﺘﺨﺒﺔ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴًا ﻋﺎم 2001 ﻓﺄﻋﻠﻨﺖ ﻋﻦ ﻋﺰﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ التحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها أشخاص في السلطة خلال هذه الفترات، وشكلت لجنة المصالحة الوطنية في غانا  (NRC).
وتم تكليف اللجنة بإنشاء سجل تاريخي دقيق وكامل لرصد كافة الانتهاكات التي تم ارتكابها ضد المواطنين على يد أولئك اللذين زعموا أنهم تصرفوا نيابة عن الدولة أثناء فترات الحكم غير الدستوري، كما كانت مسؤولة عن تعويض الضحايا والقيام بإصلاحات مؤسسية، على أن يتم إدراج كل هذه البيانات والمعلومات في التقرير النهائي للجنة.
وقد بذلت منظمات المجتمع المدنى جهودًا لنجاح تلك العملية في إطار من التنسيق والتشاور، إذ شكلت اﺋﺘﻼف اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ ﻟﻠﻤﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ، اﻟﺬي ﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ 25 هيئة دستورية وﻣﻨﻈﻤﺔ ﻏﻴﺮ حكومية، وبدأ التنسيق والتعاون بين الائتلاف وبين اللجنة منذ ﻳﻨﺎﻳﺮ 2004، وهو ما كان له دور أساسي ﻓﻲ وﺿﻊ أسس اﻠﻌﺪاﻟﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ من خلال: وﺿﻊ الأطر النظرية، المشاركة الشعبية، اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ، وأخيرًا اﻟﻤﺠﺎل اﻹﻋﻼﻣﻲ.
فقام الائتلاف بعمل استقصاءات شعبية انتهت إلى صياغة إعلان توافقي يتكون من ١٢ مادة ويحدد اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن تتعامل بها اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻊ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ، وأصبح هذا اﻹﻋﻼن فيما بعد هو القانون الخاص بلجنة اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ. كذلك قام الإئتلاف بعمل حملات إعلامية ضخمة، مثل ﻧﺸﺮ ﻣﺸﺮوع اﻹﻋﻼن ﻓﻲ جميع الصحف الكبرى، في إطار من مشاركة كافة القوى السياسية والأحزاب والمؤسسات التشريعية والحكومة وحقوق الإنسان، حتى تم تجميع كافة هذه المقترحات وعرضها على اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن.
وفي 2 سبتمبر 2002 بدأت اللجنة فى تلقي البيانات عن انتهاكات حقوق الانسان من الجمهور العام، ثم بدأت جلسات الاستماع العلنية في 14 يناير 2003. وكان من المقرر أن يستمر عمل اللجنة لمدة 12 شهرًا، مع إمكانية التمديد لها لمدة ستة أشهر أخرى. وتكونت اللجنة من ٩ أعضاء، تم تعيينهم من قبل الرئيس، بالتشاور مع مجلس الدولة. كما تم تأسيس مجموعة من اللجان لتقييم كافة مؤسسات الدولة والنقابات والكيانات مثل المحاماة والصحافة والحركات العمالية والطلابية، والهيئات الدينية ورؤساء هذه المؤسسات، بهدف التحقيق فيما إذا كان أيا من هذه المؤسسات قد تورطت في انتهاكات حقوق الإنسان من عدمه، على أن تخرج اللجنة بتوصيات للإصلاحات المطلوبة.
وكانت اللجنة لديها صلاحيات الشرطة في تحقيقاتها، وصلاحيات المحكمة في جلساتها، كما كان من حقها أن تقوم بالبحث، أو دخول وإزالة أي ممتلكات لازمة في تحقيقاتها، وأيضًا لديها الصلاحية لاستدعاء أى شخص مهما كان للتحقيق معه واستجوابه. ولكن هذا لم يعني أن اللجنة كان من حقها اعتقال الناس أو إنزال العقوبات عليهم، حيث اقتصر عملها على تقصي الحقائق ووضع التوصيات. وخلال التحقيقات وجلسات الاستماع، قد يتم استدعاء الشهود للإدلاء بأدلة اتهام ضد أنفسهم، ولكن فى نفس الوقت تضمن لهم اللجنة أنه لا يمكن استخدام أيا من هذه المعلومات ضدهم في المستقبل.
وقد تقرر أن تكون جلسات الاستماع علنية، إلا إذا رأت اللجنة أن ذلك غير ممكنًا كأن تؤدى علنية الجلسة إلى أزمة سياسية، لذلك فلها أن تقرر أن تكون الجلسة وراء الأبواب المغلقة، كإجراء احترازي ضد الاضطرابات السياسية؛ أو فى حالة إحتمال تعرض الشهود للخطر للانتقام منهم.
وكانت جلسات استماع اللجنة تعقد في قاعة بمبنى البرلمان القديم، ويكون بها مقاعد يجلس بها التسعة مفوضين، وعلى يمينهم المستشار القانونى للجنة، وإلى يسارهم مستشار الشاهد، ويجلس الشهود فى واجهة المفوضين، كما تقوم هيئة الإذاعة فى غانا ببث كل جلسة تلفزيونيًا على الهواء مباشرة.
واستمعت اللجنة إلى شهادة 3 آلاف ضحية و 79 شهادة من الجناة المتهمين، كما شهد أمامها أيضًا الرئيس السابق جون جيري رولينغز، ومستشار الأمن القومي السابق كوجو تسيكاتا، كما عقدت اللجنة أكثر من ألفي جلسة استماع علنية، لتصدر تقريرها النهائي مشيرة فيه إلى إن فترة الحكم الاستعماري أسفرت عن إرث كبير من انتهاكات حقوق الإنسان، وأن مؤسسات تطبيق القانون والقوات المسلحة كانت مسؤولة عن أعلى نسبة من الانتهاكات، موصيًا ببرنامج جبر ضرر شامل، بما في ذلك الاعتذار، إقامة نصب تذكاري، والتعويض النقدي. واقترحت اللجنة تعويضات لحوالي 3 آلاف من ضحايا القمع تحت حكم رولينغز وكان المبلغ المدفوع للضحايا يقدر بحسب حجم الانتهاكات التي تعرضت لها كل ضحية. كذلك أوصت اللجنة بضرورة القيام بإصلاحات داخل السجون والشرطة والجيش.
دروس للحالة المصرية:.
أثبتت التجارب أنه لا يمكن تحقيق المصالحة الوطنية إلا بعد وقف العنف ونزيف الدماء من جميع الأطراف, وإقرار العدالة. وقد وضعت المنظمات الدولية التى تهتم بحقوق الإنسان و السلم المجتمعى كمنظمة العفو الدولية بعض المعايير والآليات الواجب إتباعها لبدء عمليات المصالحة الوطنية، تتمثل أساسا فى: (1) إنشاء آليات وطنية فعالة لتوثيق الحقائق المتعلقة بالجرائم، حيث يعد كشف الحقيقة رداً حاسماً على تلك الجرائم   فهو يكفل للضحايا المباشرين معرفة الحقيقة، فضلاً عن الإقرار علناً بمعاناتهم (2) إنشاء لجان للتحقيق لتقصي الحقائق، بغرض التحقيق في الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التى حدثت فى الماضى، وكذلك التوصل إلى الحقيقة، على أن تختتم اللجنة عملها بإصدار تقرير نهائي يتضمن النتائج التي خلصت إليها والتوصيات التي تقترحها (3) تذليل جميع العقبات أمام عمل هذه اللجان، مع إعطائها صلاحيات كاملة فى التحقيق وإستدعاء أيا من كان للمثول أمامها (4) وضع الأدلة التي جمعتها تلك اللجان تحت تصرف هيئات التحقيق المستمرة والجديدة والإجراءات القضائية الجنائية (5) وضع توصيات فعالة بشأن تقديم تعويضات كاملة لجميع الضحايا وأسرهم.
ولعل أهم الدروس المستفادة من تجارب الدول التى يمكن تطبيقها فى مصر تتلخص فى:
- ضرورة مراعاة خصوصية الحالة المصرية، وعدم إمكانية تطبيق أي تجربة بحاذفيرها عليها، وأن الواقع بما يحمله من تفاصيل عديدة هو ما يحدد أي الطرق نسلك، وكيف نسلكها.
- مشاركة كافة الأطراف المتصارعة دون إقصاء لأي طرف أو انتقاء، وشفافية تلك المصالحة وذلك الحوار، مع الاعتراف الكامل بأي خطأ أو جرم، أخذًا في الاعتبار خصوصية الحالة المصرية بالنسبة للتصالح مع الرموز السياسية التي أقصاها بثورته ولم تكن المصالحة بمبادرة منها، فالنخبة الحاكمة في مصر أزيحت عن الحكم بفعل ثورة شعبية، وليس في إطار اتفاقي كما في حالة جنوب أفريقيا على سبيل المثال.
- إمكانية الاستفادة من آلية إقرار الجاني بما ارتكبه من انتهاكات وتجاوزات كشرط للحصول علي العفو، على أن يكون هذا فى إطار علني ودون استثناء، حيث ثبت أن العفو عن الجرائم ذات الطابع السياسي قد يكون حافزا لوقف العنف، وبداية التصالح، وهو ما يستدعي في جانب منه ضرورة وجود نية صادقة لدى كافة الأطراف لتحقيق تلك المصالحة وطي صفحة الماضي.
- إمكانية الاسترشاد بنماذج المصالحة السياسية لتسوية بعض منازعات الاستثمار والمخالفات القانونية ذات البعد الاقتصادي، والتصالح مع بعض رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق، ممن لم يتهموا في قضايا جنائية، وهو ما حدث بالفعل في بعض الحالات، شريطة أن تكون هذه المصالحة وتلك التسوية مبنية على قواعد موضوعية وعادلة بحيث تتجنب الانتقائية، وتكون مبنية على حسن نية الدولة في إعادة الثقة مع المستثمرين، وتضمن الحفاظ على حقوقها في عملية التفاوض دون افتئات على حقوق المستثمرين أيضًا.
- تهيئة الرأي العام وإيجاد الزخم الشعبي اللازم لمساندة عملية المصالحة، وهو ما يستلزم وقف خطاب الكراهية المتبادل والامتناع عن أي تبرير لأعمال القتل، مع الاعتراف بحقوق الضحايا ووجوب تعويضهم على نحو متساو بغض النظر عن الانتماء السياسي.
- وضع خطة زمنية لمراحل وإجراءات المصالحة، مع وضع آليات التشاور وكسب تأييد المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية، وهو ما يستلزمه التوافق الأولي عن كيفية التوصل للمصالحة نفسها، الأمر الذي يجب أن يتم وفق قدر عال من المشاركة الجامعة.
- تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى في جميع مراحل المصالحة، عن طريق إدراج جميع مقترحاتهم وعرضها على صانعى القرار؛ مع الضغط على كافة الأطراف المعنية لتنفيذ ما يتم التوصل إليه في مفاوضات التصالح الوطني.
اعداد و ترجمة: كريم خضر

المراجع:
- Meredith Wain, “Ghana's National Reconciliation Commission”, Peace Magazine Apr-Jun 2003.
- United states Institute of Peace, "Truth Commission: Ghana" (2003), available at: http://goo.gl/VUg57m


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق