Translate

الأربعاء، 14 مايو 2014

العدالة الإنتقالية في تونس: إنتقالية، أم إنتقامية؟

من العدالة الانتقالية إلى العدالة التحويلية : جدول أعمال للبحوث والممارسة

أصبحت العدالة الانتقالية هي العدسة المهيمنة على الصعيد العالمي و التي من خلالها المقاربة الخاصة بها تمكنت دول كثيرة من معالجة آثار الماضي العنيفة ، و هناك العديد من نماذج التطبيق العملي للنظرية ، وبدعم من المنظمات غير الحكومية المتخصصة والتمويل على نطاق واسع من الجهات المانحة الغربية. إلى الآن، كان أداء وتأثير آليات العدالة الانتقالية في أحسن الأحوال غامض وأحيانا مخيب للآمال. هنا ، نقترح وضع جدول أعمال جديد للبحوث والممارسة ، يقدم مفهوم آخر للعدالة التي يمكننا وصفها ب ' التحويلية ' بدلا من 'الانتقالية'.
الاتجاهات الحديثة للعدالة الانتقالية تتجه أكثر نحو مفهوم العدالة التحويلية . بعض العمليات تعاملت مع أمور أكثر جدية مثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على سبيل المثال ، و بشكل شامل فمنهج العدالة الإنتقالية أصبح مفهومه أوسع بكثير. ما وراء المحاكمات ولجان تقصي الحقائق ، أصبحت عملية الإصلاح المؤسسي ، وإحياء الذاكرة الوطنية و الذكرى و مبادرات المصالحة ، مجرد إجراءات روتينية. ومع ذلك لا تزال هناك تحديات لمعالجة المؤسسات في الدول الهشة التي ما زالت تتكشف لها مفاهيم العدالة الانتقالية المختلفة، و ذلك لضمان معالجة الأسباب الهيكلية للصراع ، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ، و التي تصبح في تلك الحالة جزءا أساسيا من الممارسة. لا يزال هناك أيضا توتر بين العمليات ذات الشكل التنفيذي من أعلى إلى أسفل و التي يقودها نموذج عالمي و الاحتياجات المحلية ووجهات النظر الحياتية للسكان المتضررين . آليات العدالة الانتقالية التقليدية لا تسمح إلا لعدد قليل من المواطنين بالمشاركة ، و تتبنى خطابا غالبا ما يكون غريبا على الناس العاديين، و تنتهي بتمكين النخب و الغرباء على حساب الضحايا.

العدالة الانتقالية محدودة بطبيعتها التأسيسية ، و التي تقودها الليبرالية المتجذرة في الديمقراطية الإجرائية والأسواق الحرة. إن "السلام الليبرالي" الذي يشمل مفهومه معظم التحولات ،سيكون دائما له تأثير أكبر على المجتمعات من آي من آليات العدالة الانتقالية. فهل ستصبح العدالة الانتقالية مجرد ضمير العولمة الانتقالية دون أي تغيير في خصائصها الأساسية ؟

ردنا على هذا النقد لمفهوم العدالة الانتقالية هو المضي قدما في جدول أعمال العدالة التحويلية . و نعرف العدالة التحويلية على النحو التالي: التغيير التحويلي الذي يؤكد على حق الوكالة والموارد المحلية ، و تحديد أولويات العملية بدلا من الإهتمام بنتائج مسبقة ، و تحديا علاقات القوة غير المتكافئة والهياكل الإقصائية على الصعيدين المحلي والعالمي.

العدالة التحويلية تعمل على إطلاق ديناميات التحول ، وليست ابدا التحول من تلقاء نفسه. ونتيجة لذلك، ' التدخل ' - هنا يعني التشبيك مع المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية – و ذلك بغرض إيجاد الفضاء الذي يمكن أن يحدث فيه التحول الذي يقوده المجتمع المحلي وتسهيل التغيير من خلال توفير الموارد المادية و الفكرية. 

تشمل أدوات العدالة التحويلية :

1 ) تأطير القضايا بطرق لا يتردد صداها فقط مع المعايير المقبولة بالفعل و أولويات التمويل ، ولكن بالتركيز ايضا و التأكيد على عدم تجزئة الحقوق - بما في ذلك الاجتماعية والاقتصادية.

2 ) مقاربة تحويلية فيما يخص تحديات المشاركة في ظل علاقات القوى الغير متوازنة : تعزيز المشاركة لتصبح عنصرا رئيسيا من عناصر التمكين التي تتحدى المؤسسات و الهياكل لتزرع بها الفئات المهمشة من الشعب و التي استبعدت سابقا.

3 ) التمكين خارج آليات العدالة الانتقالية : التمكين هنا يعتمد على " سياسة الموقع " بما يعني التحول من سياق حق الحديث من العاصمة و المساحات الرسمية فقط ، للمجتمعات التي تحدث فيها انتهاكات : من " مساحات الدعوة الإنتقائية " في المؤسسات ، إلى " المساحات الشعبية " التي تقع على الخطوط الفاصلة بين الدولة والمجتمع.

دور الغرباء ، و مفهوم ' التدخل ' لابد من إعادة النظر فيهما . العدالة التحويلية تعتمد على التيسير بدلا من التوجيه ، و تعمل على التشبيك مع الفئات الأقل تمكينا بطريقة تضمن – بل و تعمل على تعظيم دورهم.

عملية العمل مع المجتمعات لابد ان تختلف ايضا عن التدخلات النمطية للعدالة الانتقالية ، حيث أن دورات المشاريع قصيرة الأمد لا تؤدي للدعم طويل الأجل و بناء القدرات التي يحتاج إليها الفقراء والمستبعدين للإستماع لهم ، و تمكينهم من التأثيرعلى جداول الأعمال الوطنية .تتطلب عملية التحول عدم النظر للعدالة الانتقالية كتدخل معزول ، ولكن كجدول أعمال يجب أن يتناول جميع عناصر الانتقال. 

نشرت في 1 أبريل 2014

بقلم: سيمون وبول روبينز جريدي

ترجمة: سعيد عز الدين

ندوة الطريق للمصالحة بالمركز المصري لدراسات السياسات العامة