Translate

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

ما سر تزايد الإهتمام بالعدالة الإنتقالية؟

يرجع تزايد الاهتمام بإقرار العدالة في حالات الانتهاكات الجسيمة بعد انتهاء الصراعات إلى عدة عوامل ، يوجزها نيل كيرتز المتخصص بقضايا العدالة الانتقالية فيما يلي:

- تغير طبيعة وسائط الإعلام الإخبارية في أنحاء العالم . ففي الوقت الذي يكون من المرجح فيه أن تشاهد الفظائع التي ترتكب في مكان ما وتنقل إلى كافة أنحاء العالم،يكون منتظرًا من حكومة ذلك البلد أن ترد بصورة ما ( على الأقل بدرجة أكبر مما كان عليه الحال في أي فترة سابقة في التاريخ ) . ويصح ذلك على الأقل بالنسبة للحكومات الأجنبية والهيئات الدولية ،التي تتعرض لضغوط متزايدة لإقرار المساءلة عند نقل أنباء الفظائع الواسعة النطاق بصورة حية ووافية في وقت حدوثها تقريبًا .

- النمو في حجم وتأثير دوائر حقوق الإنسان بصفة خاصة ،وقطاع المنظمات غير الحكومية بوجهٍ عام ، مما أنشأ ضغطًا جديدًا من أجل مواجهة مسألتي العدالة والمساءلة، ومع بروزصوت هذه المنظمات في مناقشة السياسات العامة لم تعد تستطع الحكومات حجب هذه المسائل عن النقاش ، حتى عندما تتغافل وسائل الإعلام عن هذه القضايا فإن هذه المنظمات أصبحت قادرة ومن خلال شبكة الانترنت نشر هذه المعلومات وإتاحتها للعموم ،بل إن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية يرجع ، في جزءٍ كبير منه ، إلى تلاقي هذه القوى غير الحكومية الجديدة.

- أصبح القانون الدولي واضحًا بصورة متزايدة أنه فيما يتعلق بجرائم الإبادة ،أو جرائم الحرب،أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ،أو التعذيب ،يحظر إصدار عفو شامل ،وأن الحكومات يقع عليها التزام قاطع بالتحقيق في هذه الجرائم ومقاضاة مرتكبيها .

- تغير طبيعة الحرب ، فبحلول ﻧﻬاية القرن الماضي كان ما لايقل عن 93 في المائة من الصراعات العنيفة في أنحاء العالم لا يدور بين الدول ،وإنما داخل الدول ،ولما كانت هذه الصراعات غالبًا ما تترافق مع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ،فإن ذلك حتّم الوصول إلى شكل من أشكال تطبيق العدالة بين الأطراف من أجل ضمان الاستقرار في المستقبل. إن الزيادة في تواتر الصراعات داخل الدول قد واكبها توسع ملحوظ في استهداف المدنيين كتكتيك في خوض هذه الحرب ، وهو ما لوحظ في زيادة الانتهاكات الواسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني في المعارك التي دارت رحاها في معظم القارات . وهذا الاستهداف المتعمد للمدنيين ،الذي يرمي إلى زرع الخوف وإجبار اﻟﻤﺠتمعات المحلية المستهدفة على التعاون ،وتشريد السكان ،أو السيطرة على مناطق من الأرض ،أوتعزيز مصالح جماعة عرقية أو دينية أو سياسية بعينها ،أو تحقيق مزايا لقوة عسكرية أضعف تخوض صراعًا ضد الدولة بقواﺗﻬا وأسلحتها الأقوى بصورة طاغية ، كل ذلك أثار اهتمامًا واسعًا بإقرار العدالة في حالات ما بعد انتهاء الصراعات كوسيلة للمعاقبة على هذا السلوك وتطهير البيئة التي تنشأ بعد انتهاء الصراع من أي ميل للعودة إلى مثل هذا السلوك.كل ذلك شجع على القول إن أنماط تطبيق العدالة وتحقيقها تزداد يومًا بعد يوم، فالمحاكم الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ورواندا ودارفور والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان،والأنواع الجديدة من المحاكم الدولية والوطنية المنشأة لمحاكمة جرائم الحرب ،واتساع قائمة البلدان التي تمارس الولاية القضائية العالمية على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في بلدان أخرى ،ثم والأهم من ذلك ،إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ،هي جميعها أدلة وافية على هذه المرحلة الجديدة من البحث عن العدالة.

دكتور / رضوان زيادة
باحث زائر في جامعة هارفارد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق