Translate

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

العدالة الانتقالية (1)

تناولت حلقة النقاش الأولى عددًا من التجارب السابقة للدول التي طبقت برامج العدالة الانتقالية وهي: جنوب أفريقيا، والأرجنتين، وإسبانيا، والمجر، وتشيلي. وقد استعرض المتحدثون بشكل عام الاجراءات المتبعة في كل منها على حدى، وأسباب فشل أو نجاح التجربة، والنقاط التي تتماس مع الواقع المصري والتي يمكن أن تعود بالنفع على النشطاء عند وضع تصور لخارطة تطبيق العدالة الانتقالية في مصر. وكانت أهم النقاط التي تم استخلاصها من مقارنة النماذج المطروحة هي ما يلي ذكره:
1-              إن المحرك الأساسي وراء الدفع بقضايا العدالة الانتقالية قدمًا على الرغم من كثرة المعوقات السياسية والزج المستمر والمتعمد بالعراقيل القانونية والتشريعية هو إصرار المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على تحقيق العدالة كاملة وتمسكهم باستكمال خارطة الطريق. فقد لعبت تلك الكيانات دورًا كبيرًا في توعية الشعب بحقوقه في القصاص لجرائم الماضي وعدم تجاهلها بوصفه السبيل الوحيد لإرساء السلام المجتمعي والتنمية الاقتصادية. كما نجحت في التواصل مع الضحايا وأسرهم لتوثيق الجرائم حتى لا تسقط من الذاكرة الانسانية وهذا أضعف الإيمان. ومن ثم كللت الجهود المدنية في كل من جنوب أفريقيا، والأرجنتين، وتشيلي بالنجاح بشكل عام في العدالة الانتقالية، بينما فشلت كل من إسبانيا والمجر نظرًا لرغبة شعبيهما في تجاهل الماضي خوفًا من مخاطر الانخراط في حرب أهلية مرة أخرى والمحافظة على مكتسبات الاستقرار السياسي الحالي وهذا في حالة الأولى، بينما شعر المجرييون بأن العدالة الانتقالية يتم استغالها في معترك السياسة للتنكيل بالخصوم وكسب الأرضيات بدلاً من انتزاع الحقوق ومن ثم انفضوا عنها.
2-              إن الإرادة السياسية في تحقيق العدالة الانتقالية لا تقل أهمية أيضا في الدفع بمسار العدالة الانتقالية سواء تمثلت في القيادة العليا للبلاد كما هو الحال في جنوب أفريقيا، أو مؤسسات الدولة مثل القضاء أو المرجعيات الدينية الكنسية كما هو الحال في تشيلي والأرجنتين. وكما كان لتوافر هذه الإرادة عاملاً كبيرا في نجاح هذه التجارب، كان الافتقار إليها في حالة المجر وإسبانيا وراء تبدد جميع الجهود الرامية للقصاص.
3-              إن الدعم الإعلامي لقضايا العدالة الانتقالية كان حاسمًا في نجاح التجارب السابق الإشارة إليها، ولم يقتصر دوره على ممارسة الضغط الشعبي والتوعية بل أيضا في تنفيذ بعض من إجراءات العدالة الانتقالية مثل التوثيق والكشف عن جرائم المسئولين والرمزية والتذكير الدائم بالماضي وقاطنيه من الضحايا.
4-              كانت القوانين والتشريعات من أهم العقبات التي واجهت أصحاب الحقوق والنشطاء سواء للافتقار لغطاء دستوري يحميها من الطعن عليها كما هو الحال في المجر، أو لوجود قوانين تم تفصيلها خصيصًا لتجنب المحاسبة والمسائلة القانونية كما هو الحال في إسبانيا، أو للتلاعب بالثغرات الموجودة في التشريعات القائمة كما هو الحال في الأرجنتين وتشيلي. ومن ثم يجب أن تأخذ مصر في الحسبان ضرورة تضمين مادة أو مواد في الدستور الحالي يوفر الغطاء الدستوري اللازم لقوانين المحاسبة والعدالة الانتقالية بدلاً من الدخول في دائرة مفرغة مع المحكمة الدستورية. كما يجب على النشطاء دراسة الاحتمالات الخاصة بتدويل القضية أو على الأقل استغلال المواثيق والعهود الدولية الملزمة لمصر بمحاسبة كل تسبب في انتهاك حقوق الانسان بوصفها جرائم لا تسقط بالتقادم.
5-              أثبتت تجارب العدالة الانتقالية التي كللت بالنجاح أن إجراءات العدالة الانتقالية من ملاحقات جنائية وبرامج التعويضات والاصلاح المؤسسي ولجان تقصي الحقائق والرمزية هي إجراءات تكاملية؛ لا يمكن فصلها عن بعضها أو مداوة الماضي بتنفيذ إجراء دون الأخر، وإلا فشلت التجربة كما هو الحال في المجر التي اكتفت بدفع بعض التعويضات ومحاسبة بعض الشخصيات العامة من باب الانتقام، أما في إسبانيا فإن برامج التعويضات كانت الإجراء الوحيد المتبع والذي شابه أيضا كثير من القصور في التطبيق.
6-              تمخض فشل تطبيق العدالة الانتقالية في المجر إلى تفشي الفساد السياسي والاقتصادي ومن ثم باتت المجر مهددة بعدم الاستقرار، بينما أدى الفشل في إسبانيا إلى ردود فعل عنيفة ومنها منظمة إيتا وأعمالها الدموية الانتقامية وهو ما يدفع بالبلاد في معترك عدم الاستقرار أيضا. ومن ثم يجب توعية المصريين بأن الاستمرار في تجاهل جرائم الماضي بحجة الدفع بعجلة الانتاج أو تجنب النزاعات الأهلية هي حجة واهية لنظام لا يقدر أو لا يريد تطبيق العدالة الانتقالية، وأن مردود ذلك سيكون بلا شك هو تهديد السلم المجتمعي والتنمية الاقتصادية. 


إعداد: وجدان حسين مصطفى    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق